في واقع يومي يشبه ما أحدثه الزلزال في المنطقة في الأيام الماضية، وحجم الدمار الكبير الذي خلفه، يعايش المقدسيون سياسة الاحتلال الاسرائيلي في هدم منازلهم. وإن كانت الطريقة مختلفة بين ظاهرة طبيعية وإرهاب بشري، إلا أن الأحتلال أخطر على الشعب الفلسطيني من أي ظاهرة طبيعية أخرى.
يستمر الإحتلال بإستهداف المدينة المُقدسة بكل السُبل المتاحة، حيث لا تمارس السلطة الفلسطينية أدوارًا حقيقية لدعم صمود المقدسيين. شتان بين أدوات الهجوم وضعف الدفاع، فالإحتلال يعمل على تهويد المدينة بواسطة القوة المفرطة وجيشه الثاني من "المستوطنين".
يواجه المقدسيون المرابطين سنوات الحكم الطويلة، لكن سياسة هدم البيوت هي اشهر طرق العقاب التي تم تطويرها والعمل على التوسع في تطبيقها سعيًا لوأد المقاومة. أما عن تاريخها، فهي قديمة منذ الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 حيث كان يتم معاقبة كل من يشارك بالثورة بهدم منزله.
يتعرض حي الشيخ جراح لضغوطات التهجير والهدم، فهي تخدم نفس الهدف "التوسعي الإستيطاني الإحلالي"، حيث يحظى موقع الحي بمكان استراتيجي يطوّق الإحياء العربية من كل الجهات وينفد إلى البؤر الإستيطانية داخل هذه الأحياء. طرح الاحتلال الاسرائيلي عطاءًا لبناء ما يقارب 250 مستوطنة على أنقاض قرية لفتا غرب القدس.
بالإضافة لما سبق، تستمر قرارات المحكمة الاسرائيلية العليا بالمصادقة على بناء الاف المستوطنات، منتهكةً بذلك كل الأعراف والقوانين والاتفاقيات الدولية، دون حسيب أو رقيب. وفي جنوب القدس، تستمر المحكمة المركزية الإسرائيلية بإصدار القرارات التعسفية في حق أهالي سلوان بإخلاء المنازل أو هدمها.
في شباط 2023، دمرت قوات الاحتلال محلات تجارية هي مصدر رزق ل 50 عاملاً للتاجر جمعة الرشق، وقبلها دمرت بركس وموقف سيارات للمقدسي علاء غيث على الرغم من امتلاكه رخصة، بالإضافة إلى الكثير من المدن والقرى التي تعاني من نفس المأساة.
يتبع الإحتلال أسلوب إذلالي في هدم البيوت بإجبار أصحاب البيوت على هدم بيوتهم بأنفسهم بحجة عدم إمتلاك رخصة بناء قد تصل إلى ضعف سعر البيت نفسه، مع العلم أن البلدية نفسها لا تمنح الرُخص، ولو وُجدت الرخصة فلن يكون إيجاد حجة أخرى للهدم أمر صعب، وهنا يضطر المقدسيين إلى هدم بيوتهم بأنفسهم لعدم القدرة على تحمل تكاليف الهدم الباهظة في حال لم يقوموا بالعملية بأنفسهم.
رغم كل هذه الضغوطات التي تعاني منها العائلات المقدسية، إلا ان السلطة الفلسطينية لا توفر حاضنة شعبية او سياسة لدعم مقاومة الاهالي او ايجاد المأوى لهم في مواجهة جرافات الاحتلال وما تفرضه محاكم الإحتلال على العائلات المقدسية من ضرائب ورخص.
حسب شبكة "القسطل" عن عام 2021، فإن المخصصات المالية الحكومية لوزارة شؤون القدس كانت ميزانيتها 21.5 مليون دولار ، رغم ذلك لم تخصص المحكمة للوزارة سوى 2.5 مليون دولار للربع الأول من العام 2022، وهي ميزانية لا تغطي إلا القليل من حجم الدمار الذي يحدثه الإحتلال.
وحسب شبكة الإعلام الفلسطينية "وفا" قام الإحتلال بهدم 2146 بيت منذ عام 1967 إلى 2021 حيث بلغ حجم المتضررين 9202 فرداً.
ومن الجانب الآخر يغلُب الظن على قوات الإحتلال بأن هدم المنازل طريقة عقاب من شأنها إضعاف المقاومة عند إستخدامها ضد منفذي العمليات الفدائية، كما فعلوا مع أهالي الشهداء: عمر أبو ليلى، بهاء عليان، عدي أبو الجمل وآخرهم خيري علقم وغيرهم.
إلا أن أهالي القدس وعزيمتهم التي لا تصدأ دائما ما يواجهون هاذ الظلم بإيديهم العارية، محتسبين كُل ما يفنى هو فداء لتراب هذا الوطن.