ينطلق فكر الحركة الصهيونية من مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهو فكر قامت بالترويج له الحركة الصهيونية التي تهدف إلى إقامة دولة يهودية في المنطقة العربية، ويعتبر الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي هو التطبيق العملي للفكرالاستراتيجي الصهيوني المبني على أساس الاستيلاء على الارض الفلسطينية و طرد سكانها العرب بحجج وادعاءات دينية و تاريخية وجلب اليهود من مختلف أنحاء العالم،وإحلالهم بدلاً من العرب الفلسطينيين.
بدأت الحركة الصهيونية فرض سيطرتها على فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بهدف قيام دولة يهودية خالصة نقية بمعنى عدم وجود عنصر غير يهودي داخل هذه الدولة وحددت علاقة هذه الدولة بقضية الأرض و الحدود ب ثلاث مبادىء أساسية وهي الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الارض الفلسطينية وتفريغها من سكانها العرب طردًا أو قتلاً بالإضافة إلى تشجيع هجرة اليهود لأرض فلسطين.
في الربع الاخير من القرن التاسع عشر بدأت الحركة الصهيونية بتنفيذ مخططاتها الاستيطانية في فلسطين، ففي عام 1878 تم إنشاء مستوطنة (بتاح تكفا) وهي أول مستوطنة في فلسطين ليتم بعد ذلك إنشاء العديد من المستوطنات في الفترة من 1882-1884. عام 1882م، تم إنشاء ثلاث مستوطنات،هي (ريشون ليتسيون وزخرون يعقوب وروش يبنا)، ثم مستوطنتي (يسود همعليه وعفرون) عام 1883م، ومستوطنة (جديرا)عام 1884م لتتوالى عمليات الاستيلاء على الاراضي الفلسطينية بشتى الوسائل منها الشراء أو الاستئجار لمدة طويلة، لتبدأ فيما بعد عمليات التهجير لليهود إلى أرض فلسطين لتطبيق الرؤية الصهيونية في إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين.
تعرضت فلسطين ومازالت لهجمة استعمارية احلالية استيطانية صهيونية أحدثت تغيير في بنية الشعب الفلسطيني من جميع النواحي الجغرافية و السياسية و الاقتصادية و النفسية و الاجتماعية ولعل "النكبة الفلسطينية" عام1948م هي الحدث الفاصل في تاريخ فلسطين فقد حل بالشعب الفلسطيني كارثة أرغمته على مصير مجهول.
في ذات العام قامت العصابات الصهيونية (الهاغاناه، شتيرن و الارجون) بعمليات تطهير عرقي واسعة بهدف إخلاء فلسطين من سكانها الاصليين. مارست من خلالها أبشع و أفظع المجازرو المذابح بحق الشعب الفلسطيني المتمثلة في نسف البيوت و القتل والحرق والاغتصاب للمدنيين وسلب ممتلكاتهم الخاصة والعامة وتدمير القرى بأكملها؛ اذ دمرت هذه العصابات مئات القرى الفلسطينية وقامت بإخلاء بعض المدن إخلاءً كاملاً من سكانها الاصليين، ليتم طرد نصف السكان الفلسطينين في فلسطين التاريخية وتحويلهم إلى لاجئين في دول العالم، فترافق النكبة عملية تصفية الملامح العربية للبلاد وإبادة الوجود الفلسطيني فيها.
إن نكبة عام 1948 أرغمت أكثر من 800 ألف فلسطيني إلى الهجرة القسرية بعد تدمير قراهم ومدنهم خاصة تلك الواقعة على الساحل الفلسطيني الممتد من الناقورة الى غزة، تم إبادة ما يزيد عن 500 قرية فلسطينية في العديد من المدن مثل يافا و حيفا و عكا، فقد كانت تعتبر تلك المدن عبر التاريخ عنوان للحضارة والتقدم ومراكز تعليم وتثقيف و علم، ومراكز تجارية وحضارية، كانت هذه المدن روح فلسطين وحياتها وقلبها النابض.
بعد احتلال فلسطين عام 1948 استخدمت الحكومات الصهيونية (سياسية الطمس لأسماء القرى و المدن الفلسطينية)، فصراعنا مع الاحتلال ليس فقط عسكريا بل كان و لا زال صراع على المكان والزمان والتاريخ، ومحاولة الحركة الصهيونية محو الذاكرة الثقافية والتاريخية العربية الفلسطينية، من خلال إبادة رموز تلك الاماكن لتقطع علاقة الشعب الفلسطيني بأرضه.
إن أهم الركائز التي تستخدمها الحركة الصهيونية هي اختيار الأسماء التلمودية و اطلاقها على الاماكن الفلسطينية "القرى و المدن الفلسطينية" أو المستوطنات، اذ أنها وسيلة قوية لتعزيز الايديولوجية الصهيونية لفرض سيطرتها على أرض فلسطين، فقامت بتغيير أسماء الشوارع و الاحياء و القرى و المدن الفلسطينية العربية إلى أسماء عبرية لتعطي نفسها الحق وشرعية الاستمرارية التاريخية باعتبارها صاحب الارض المقدسة والوحيد بناءًا على الرواية التلمودية. منذ بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين أسست الحركة الصهيونية لجنة خاصة لتغيير أسماء الاماكن الفلسطينية و اطلاق اسماء عبرية عليها و على المستوطنات التي أنشئت على رُكام القرى الفلسطينية والتي لا زالت جارية إلى يومنا هذا.
هناك مئات القرى و المدن الفلسطينية تم تدميرها وإبادتها، قرى تم إزالتها بالكامل وقرى هُجر سكانها العرب الاصليين ولم يبقي الاحتلال إلا عدد لا يكاد يُذكر من القرى، ففي قضاء مدينة يافا كان هناك 27 قرية تم إزالة 21 قرية منهم قرية الشيخ مؤنس و التي بنيت على ركاهما جامعة تل ابيب ومستوطنة تل باروخ، قرية العباسية بعد احتلالها و تدميرها تم إنشاء خمس مستوطنات عليها و هم (يهود، مغشيميم كما شيدت غني يهودا وغني تكفاء وسيفون) بالإضافة إلى قرية بيار عدس والتي كانت تقع في المنطقة الساحلية الواقعة بين تل أبيب و حديرا فقد كانت تُشكل قلب الدولة اليهوية لذا يجب أن تكون (خالية من الفلسطينيين) وفي تاريخ 16/حزيران/1948م تم تسوية القرية بالارض وإنشاء مستوطنتي عدنيم وإيليشماع عليها.
وتم تهجير خمسة قرى منهم السافرية لم يتم تدمير القرية وإنما هُجر سكانها العرب و تم بناء أربع مستوطنات فيها، قرية سلمة التي تدعى اليوم ب(كفار شالم) وهي أحد أحياء تل أبيب، و قرية يازور التي أُقيمت على أراضيها مستوطنة آزور والعديد من الاماكن و يوجد أيضا كنيس يهودي أنشأ مكان مقام مسجد الإمام علي، ولم يبقى سوى قرية واحدة فقط (دهمش) وهي قرية أقيمت عام 1951 عندما احتضنت فوق أرضها عائلات فلسطينية لاجئة داخل الوطن والتي شردتها النكبة، منهم من قدم من بيسان والمروج وسهل الحولة والأغوار، والبعض من جنوبي فلسطين من قطرة وأسدود وعسقلان وصرفند، وفي قضاء مدينة حيفا يوجد 96 قرية تم تهجير 35 قرية و إزالة 52 قرية و الابقاء على 9 قرى فقط، ثم مدينة بيسان التي تمت إبادتها بالكامل والقائمة تطول.
إن الاحتلال الاسرائيلي "احتلال إستيطاني إحلالي صهيوني" يهدف إلى إقامة دولة يهودية خالصة نقية اي احلال اليهود محل العرب على أرض فلسطين ولعل شعار " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" هو الجوهر الحقيقي لهذا المشروع و الذي لطالما روجت له الحكومات الصهيونية المتعاقبة والتي تسعى دائما إلى اقتلاع الانسان الفلسطيني من أرضه وبناء علاقة جديدة عليها بممارسة سياساتها في طمس و إبادة التاريخ و الذاكرة الفلسطينية،إن أسماء المدن والقرى الفلسطينية هي الامتداد التاريخي والثقافي والحضاري والطبيعي لحياة الانسان على هذه الارض والتي حافظت عليها الذاكرة الفلسطينية والتي تحفظ الوجه العربي لهذه البلاد. لذا نحن بحاجة ماسة لتصحيح وتوثيق وزيادة الوعي بالتاريخ الفلسطيني للجيل العربي الحالي والاجيال القادمة للحفاظ على هوية الشعب الفلسطيني في صراعه مع الاحتلال الصهيوني.
قائمة المراجع
ربيع،وائل.(٢٠٢٢).الرؤية الصهيونية للاستيطان. مجلة بحوث الشرق الاوسط، مج ٧٣ ، ١٠٧. https://mercj.journals.ekb.eg/article_225913_45c6efdde039693902edd3948f311861.pdf
زيدان، حنين.(٢٠١٨).ذكريات أحداث النكبة و التهجير لدى الجيل الاول و الثاني الفلسطينيين و المخاوف لديهم.ماجستير. جامعة القدس، كلية العلوم التربوية: فلسطين.
مرقطن، محمد.(٢٠٢٠).أسماء المدن و القرى الفلسطينية ما بين الاستمرارية التاريخية و الطمس الصهيوني.مجلة تبين، مج ٣٣، ٤٦. https://tabayyun.dohainstitute.org/ar/issue033/Pages/Tabayun33-2020-meraktan.pdf
موسوعة القرى الفلسطينية. https://palqura.com/