Facebook
Instagram
Twitter
Youtube
Sound cloud

"حوض القدس": المخطط الصهيوني للتهجير المستمر

"هاد البيت انا عشت فيه، مولودة فيه، مش رح اطلع منه الا على جثتي" بكلماتٍ من القهر والوجع لا تطيقها الجبال، تسطر حاجة مقدسية حكايةً تمتزِجُ فيها المعاناةُ المرَكبةُ بين تهجيرٍ واعتداءٍ واعتقالٍ لأبنائِها وانتظارٍ لمجهولٍ قادمٍ باتَ بين قوسين أو أدنى. 

في الجزء الغربيّ من حي الشيخ جراح تواصِلُ الحاجة فاطِمة سالم صناعةَ تاريخٍ منذُ أكثر من سبعين عام، لتقف في وجهِ المستوطِنين دفاعًا عن بيتِها الذي رافق كل مراحل حياتها الذي فيه ولدت وعلى أرضِه حكت خطواتها الأولى وعلى جدرانه نشأت وترعرعت. كيف لا وهي التي قضت جُلَّ حياتها تَحنو على أشتالٍ غرستها في تراب بُستانِها وانتظرت لسنواتٍ ثمارها مثلما غَرست حُبَّ القدسِ في نفوس أبنائِها. 

تواجه اليوم خطر الإخلاء القسريّ من منزِلها لصالح مستوطنين محميين بحقِّ القوة لقوة الحقّ، بهدف تطبيق مخَطَطٍ استيطاني إسرائيلي.

يقع حي الشيخ جراح في الجانب الشرقي من البلدة القديمة في مدينة القدس خارج السور، أُنشئ الحي في القدس عام 1956 بموجب اتفاقية وقعت بين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا والحكومة الأردنية، وفي حينه استوعب 28 عائلة فلسطينية هُجرت من أراضيها المحتلة عام 1948. 

تعود السلطات الاسرائيلية اليوم لتهديد أهالي حي الشيخ جراح لتنحاز إلى جانب المستوطنين في اعتداءات لا تمثل حالة فردية بل مخطط إسرائيلي يسمى "حوض القدس"، أو "أورشليم" بحسب الوصف التوراتي. يقع هذا المشروع تحت مظلة كبيرة لتهويد القدس، بهدم ثلاثة أحياء، ليمتد من بلدة سلوان مرورًا بحي البستان ووادي حلوة في البلدة، ثم نحو منطقة طنطور فرعون والمقابر اليهودية في سفوح جبل الزيتون؛ لربط المستوطنات الاستعماريّة في شرق المدينة بعضها البعض.

 أعلنت إسرائيل انطلاق العمل في مشروع "الحوض المقدس" عام 1999، نفذت أجزاء منه عن طريق تهجير عشرات العائلات وتشريدهم باستخدام السلطات القضائيّة والبلديّة والجماعات الاستيطانية كأدوات لتنفيذ مخطط التهجير والتطهير العرقي في القدس المحتلّة؛ فبقاء السكان يُعيق المشاريع التهويدية ورسم خارطة "وبائية" جديدة من المستوطنين والمستوطنات، وتسعى جاهدة إلى تنفيذ البقية.

تبلغ المساحة المستهدفة بهذا المشروع نحو 2 كيلومتر ونصف حول البلدة القديمة وأسفلها، حيث يجري استهداف 80 منزلاً في حي الشيخ جرّاح يقطنها نحو 2200 مقدسي، في مخطط احلالي يرمي إلى استبدال أصحاب الأرض بالمستوطنين، فيما يجري تهديد حاليا 12 منزلاً بشكل مباشر يقطنها 120 مقدسيًّا، أما سلوان فإن أكثر من 100 منزل يقطنها 1550 نسمة معرضون لخطر الهدم الفوري. يستغل الاحتلال القضية الدينية لفرض واقع سياسي في المكان. 

يشمل المخطط إقامة ما يسمى " متنزه حديقة الملك"، على أن يُقام المشروع في حي البستان بسلوان، وأن يكون موقعا "سياحيا - أثريا"، على أنقاض عشرات المباني الفلسطينية المهددة بالهدم وطرد سكّانها. 

وإنشاء موقع يتضمن نصبًا تذكاريًا في حي الشيخ جراح لجنود كتيبة في لواء المظليين في جيش الاحتلال الذين قُتلوا خلال احتلال القدس في العام 1967. وبناء نقاط مراقبة ومدرج صغير، وسط ادعاءات بوجود ملكيّات يهوديّة في الحي تعود للعام 1948.

حيث قامت أيضًا بإنشاء بنية تحتية لإقامة مجمع رياضي ضخم يمتدّ على ما مساحته أكثر من أربع دونمات على أراضٍ مملوكة لفلسطينيين من بلدة كفر عقب، ومتنزها ومركز إطفاء، ويجري تنفيذه بالاستعانة بالجيش. 

لم تقف مخططات بلدية الاحتلال عند هذه الحدود، بل قامت بتحويل منطقة "كرم المفتي" في حي الشيخ جراح إلى كنيس يهودي، وشرعت بإنشاء "حدائق توراتية" تخدم المستوطنين، حيث اقتحمت طواقم ما تُسمّى بـ "سلطة الآثار الإسرائيلية" وبلدية الاحتلال "كرم المفتي"، وشرعت بأعمال تمهيدية على أرضه، مدعية بحثها عن آثار في المكان.

يشمل أيضًا تغيير ملامح إطلالة أسطح أسواق تاريخية في القدس القديمة في إطار تغيير معالم المدينة بتحويل إطلالة أسطح أسواق تاريخية في القدس القديمة هي: اللحامين، القطانين، والخواجات، من إطلالة هادئة يقصدها المقدسيون إلى إطلالة بملامح أخرى في سياق تغيير معالم القدس المحتلة لصالح المستوطنين. 

يُضاف إلى ذلك، عودة بلدية الاحتلال، للترويج لمشروع بناء مكب للنفايات بالقرب من مخيم شعفاط، وذلك بعد ست سنوات من وقف الخطة في أعقاب معارضة أصحاب الأراضي في شعفاط والعيسوية.

يواجه الفلسطينيون بأجسادهم ودمائهم الاحتلال الاسرائيلي الذي يقوم بتهجريهم منذ عام النكبة في 1948 حتى يومنا هذا، بدون أي التفات من المجتمع الدولي المكتفي بالقرارات الشكلية والإدانة المتكررة. مخطط حوض القدس هو ظاهرة صهيونية مستمرة ومتجددة وواقع أليم يفرض مشروع استيطاني يهودي جديد على الفلسطينيين.

© 2024 جميع الحقوق محفوظة: العهد الطلابي - الجامعات الاردنية