"الديمقراطية" الوحيدة في الشرق الاوسط، ولكن بلا دستور؟
وضعت الامم المتحدة شروط للاعتراف بالكيان الصهيوني "كدولة مستقلة" ومن اهم هذه الشروط ان يكون لهذا الكيان دستور. ولكن لماذا لم يكتمل الدستور منذ ١٩٤٨م حتى هذه اللحظة؟ وبالرغم من ذكر يهودية هذا الكيان اللقيط في وثيقة "الاستقلال" لماذا تأخر تعريف الكيان الصهيوني كدولة يهودية دستوريًا حتى بداية التسعينات؟ وما الدور الذي لعبه الوجود الفلسطيني على سن هاته القوانين؟
نبذة تاريخية
عارض مؤسس الكيان الصهيوني بن غوريون وجود دستوري لإدراكه أن قيام كيان قائم على الإحتلال والضم الغير شرعي للأراضي هو قيام لجسم غريب و غير طبيعي يستلزم الاستمرار بالحرب والعسكرة وفرض القوة وان وضع دستور بتلك الفترة ما هو الا تقييد للسلطة التنفيذية.
بالإضافة الى ان الدساتير "بالغالب" تحدد ماهية علاقة الدين والدولة وتلك القضية بالتحديد اراد بن غوريون ان تبقى ضبابية لفترة اطول نظرا للانقسام الاسرائيلي الداخلي حول هذه القضية. يرى اليمين الصهيوني ان كيان الاحتلال ذو هوية يهودية لان التوراه قالت ان هذا كيان يهودي بغض النظر عن ديموغرافيا السكان. وعلى الجهة الاخرى يرى اليسار الصهيوني انه يجب الحفاظ على اغلبية يهودية للحفاظ على كيان يهودي ديمقراطي.
الانقلاب الدستوري وسن قوانين الأساس
مع بروز اتفاقية اوسلو، وجد اليسار الإسرائيلي ان مشكلة الوجود الفلسطيني في الداخل المحتل من الممكن حلها ضمن حل الدولتين، ومن هنا بدأ التأكيد على هوية "الكيان اليهودي" من قبل اليسار الصهيوني. في منتصف التسعينات وبعد اتفاقية اوسلو قام اهارون باراك رئيس محكمة “العدل” العليا في ذلك الوقت بانقلاب دستوري.
اعتمد الانقلاب على ركيزتين اساسيتين؛ الأولى هي سن قوانين اساس ذات مكانة دستورية تشمل قوانين كرامة الانسان وحريته وحرية العمل ولكنها لا تذكر المساواة بتاتا، اما الركيزة الثانية فهي إعطاء المحكمة العليا صلاحية مطلقة بإبطال اي قانون يتعارض مع قوانين الاساس دون الرجوع للكنيست.
الفلسطينييون في ظل القوانين العنصرية
تتجلى المفارقة عند تقرير المجموعة التي سيطبق عليها هذه القوانين بالاضافة الى سن قانون القومية العنصري ليحد من صلاحيات الفلسطينيين في الداخل. فإن قوانين الأساس تطبق على اليهود وتخدم مصالحهم.
اما الفلسطينيين في الضفة وغزة فبالتأكيد لن يسري عليهم قوانين الاساس وانما سيطبق عليهم القانون الانساني الدولي للشعوب الواقعة تحت الاحتلال والذي يخرقه الاحتلال يوميا ولكن في الوقت ذاته يستعمله كذريعة لعدم وصف الكيان الصهيوني بالفصل العنصري (الابارتهايد) وبالتالي اعطاء الضوء الاخضر لبناء المستوطنات بالضفة والقدس دون مسائلة دولية.
لم تكن ممارسات العنصرية و الاقصاء جديدة على فلسطينيو الداخل الذين وقعوا تحت الحكم العسكري المتصف بهذه الصفات بعد اعلان قانون القومية. ولكن الفرق هو انه في الوقت الراهن تتم ممارسة هذه القوانين تحت غطاء قانون اساس ذو طابع دستوري.
القانون كأداة للسيطرة والاستيلاء
بالاضافة الى قوننة "الحفاظ على اغلبية يهودية" والذي يفرض قوانين تضر بالفلسطيني بالمقام الاول كقانون منع لم الشمل، والغاء القوائم العربية بالانتخابات، ومنع الفلسطينين من الاقامة في بعض المستوطنات داخل الخط الأخضر وتجريم احياء ذكرى النكبة.
على الرغم من ان الانقلاب الدستوري اسس لوجود دستور اولي لدولة الاحتلال الذي اعطى بعض الفلسطينيين فتاتا من حقوقهم الا ان هذا الدستور لن ولم يخدم القضايا الحقوقية والانسانية الأساسية بل على العكس كان قد زاد الطين بلة.
وخير دليل هو استمرار الاحتلال بوجهه العنصري المتعارض مع القانون الدولي الانساني حيث استمر هدم المنازل والاعتقال الاداري وسحب هويات المقدسيين والابعادات واستمرار قوانين الطوارئ وبناء المسوطنات ومصادرة الاراضي ومنع لم الشمل وانكار حق العودة و...إلخ.
لذا وجب علينا جميعا ان ندرك ان هذه القوانين قد سنت من قبل مستوطن لخدمة مستوطن آخر. واننا لن ننال حقوقنا المسلوبة على طبق من ذهب وانما من خلال المعرفة والنضال والسعي المستمر حتى ننال ما نستحق.